الجمعة، فبراير 29، 2008

حديث صحفى حول الكتاب فى العالم العربى

حوار رائع مع الدكتور محمد الأحمري منقول من مجلة العصر.
ملاحظة العصر: تعميما للفائدة، نعيد نشر الحوار الذي أجرته صحيفة الوطن السعودية مع المفكر الموسوعي الدكتور محمد حامد الأحمري حول مستقبل الكتاب العربي.
عرض الكاتب والمفكر الإسلامي محمد بن حامد الأحمري آراءه عن الكتاب في حوار مع "الوطن"، فأشاد بالكتاب المسموع وتوقع له مستقبلاً في العالم العربي، وقال إن كميات هائلة من الكتب التافهة تجد طريقها للنشر، وصرح بأن أغلب الكتاب يكتبون "ما يطلبه القراء"، كما نفى إمكانية أن يعيش المؤلف من دخل كتابه إلاّ ما هو أقل من النادر، كما انتقد معرض القاهرة للكتاب مكاناً وأثنى على معروضاته. الأحمري حاصل على شهادة الدكتوراه في التاريخ السياسي الحديث، وعمل رئيساً للتجمع الإسلامي في أمريكا الشمالية، وشارك في حوارات مع مسيحيين ويهود وقام بزيارات تعريف للإسلام لعدد من الكنائس، وشارك في عدد من المؤتمرات في أمريكا وكندا وبريطانيا وقطر، ويوصف بأنه مفكر موسوعي، وهو مهتم بالكتاب قراءة ونشراً وترجمةً، وعمل مستشاراً للنشر لمكتبة العبيكان في الرياض.
* يعتبر البعض أن الكتاب العربي الحديث لم يستطع الخروج من عباءة التقليد، هل تعتقد أن الكتاب العربي لا يحمل قيمة إبداعية جديدة؟
** الكتاب العربي الحديث هو مرآة المستوى الفكري العام في العالم العربي، والتقليد يكتنفه من جانبين، تقليد للسلف في الكتاب الديني، وتقليد للغرب في الكتاب غير الديني، أو الكتاب المتغرب في الفكر وإن كان يناقش قضايا دينية أو غيرها. فمرجعية الكاتب تتراوح بين الأمرين، ولا نستطيع القول مطلقا بالتقليد، ولكن هذا هو الغالب. وهناك كتب إبداعية لا شك ولكنها قليلة جداً إذا ما قورنت بالكم الهائل الذي يطبع. وقد تستغرب من استخدام كلمة ديني وليس كلمة إسلامي، لأن بعض الكتب التي تلبس لباس الدين يمكن أن تسميها دينية ولكنها ليست بالضرورة مما يصلح أن تقول عنها كتبا إسلامية، فالكتب التي تروّع الناس من الدنيا، وتقسم العالم قسمين، وتحتقر العامة من الناس، وتحتقر البدن، والشهوات، ولا تعترف إلا بالروح فقط؛ أنى لهذا المزاج الثنائي الغنوصي أن نقول إنه إسلامي؟! هذه كتب دينية فقط، ويمكن أن تكون جريمة في حق الدين، تحترم الآية التي فيها والحديث، ولا يمكنك التسليم بصحة وجهة نظر جامعيها ومصففي نصوصها، ثم يقوم المحققون من مفكري الإسلام وعلمائه بالتمييز إلى أي دين تنتمي تلك الكتب.
والترويج لمجرد الكتاب الديني مشكلة أصابت الأمة، فحب الناس لدينهم أوقعهم في التسليم لكل من دخل أو أدخل تحت عباءة الدين ما ليس منه. وهكذا الكتاب التقليدي الغربي كارثة أخرى، ينتهك مجتمعا مغلوبا، يشوه حقيقة المجتمع المنقول عنه، لأنه يمثل غالبا طرفا في مجتمعه، ويجعل نصوص الشهوات، وشواذ المذاهب، ومصائب الغرب والشرق هي الثقافة وهي المعرفة، ويسوق الفكر الغربي سياق النصوص المعصومة، والكاملة.
وأذكر أنني في أول مناقشة ثقافية استطعت أن أناقش فيها مثقفين غير مسلمين احتججت بكتابات كولن ويلسون، وقبل عشرين عاما كان فاكهة زماننا، فهو مؤلف المنتمي واللامنتمي، ومؤلف: سقوط الحضارة، وكتبٍ غيرها كثيرة، وكنت أتوقع أنه الكاتب الذي يصدر عنه الجميع، فهو شيخهم الأول والأخير ولكن لم يعرفه أحد ممن في القاعة! فذهبت للمكتبة ووجدت أنه ليس له فيها آنذاك إلا كتاب واحد هو رواية من روايات الرعب! وليس له كتاب بعنوان سقوط الحضارة ولكن الناشر اللبناني اخترع العنوان ليبيع الكتاب! ومرت سنون حتى رأيت كولن ويلسون وقد خطفته الخرافات والسحر وأصبح نسيا منسيا. فالوسطاء يستطيعون أن يجعلوا الشعوب التي تقرأ الترجمات تعيش خارج الثقافة مع من لا قيمة لهم ولا أهمية، وتغيب بالمقابل أعداداً كبيرة قادرة؛ والنتيجة تقليد في تقليد. ولا ألوم من يقول إن كانت المسألة تقليداً للغرب فقلدوا رجالنا ولا تقلدوا غيرهم فالتقليد لا ينفع ولا ينقذ المقلد، وخير منه الاقتداء، والمقتدي عارف ومنتقد، يأخذ ويترك.
* لماذا يعتبر الكتاب الإسلامي التراثي (الأول) مبيعاً في العالم العربي؟
** ليس غريبا أن يكون الكتاب التراثي العربي هو الأكثر بيعاً، فلكل أمة تراث يهتم به أبناؤها، فلو أعطيت مثالا بالتراث اليوناني فإنك تجد الغربيين لا يملون منه، وتكاد تجد ترجمة جديدة من النصوص اليونانية القديمة لكتب مثل الجمهورية، والإلياذة، وغيرها وتطبع كل أنواع الطبعات وهناك دور نشر خيرية مهمتها إعادة طباعة الكتب القديمة، أو: "المدرسية، التي تعتني بالكلاسيكية" وإخراجها إخراجا متميزا، وبيعها بأثمان زهيدة. وفي المناسبات كنهاية السنة يتسابق الناشرون على بيع هذه الكتب، ويهديها الناس في المناسبات، وتزين بها البيوت والمكاتب، فإقبال الناس عليها لا يعطي مؤشرا سيئا. ولكن من المهم أن تصبح لنا كتب قيمة معاصرة وقوية وفيها اجتهاد وجدة، ومن الأمثلة على ذلك كتاب فقه السنة، فهو كتاب فرض نفسه في زمانه، ويجدد ويطبع باستمرار، وهو يستحق الاهتمام. ولعل من المهم أن نشجع ظاهرة تقديم الكتب المتميزة باستمرار. وإعادة الاعتناء الصادق بها. فلو أخرجت كتب الجاحظ وكتب أبي حيان بتحقيقات وعناية أكثر لكان هذا عملا مشكورا.
* هل قللت وسائل الإعلام الحديثة من دور الكتاب في العالم العربي؟
** لا أتوقع أن الوسائل الحديثة قللت من دور الكتاب في أي مكان لا في العالم العربي ولا غيره، فالناشرون العرب حالهم جيد، ومعارضهم ناجحة، برغم رداءة المعروضات أحياناً، وتكرارها، ولم ينته الكتاب إلى الآن بل خرجت منه أنواع جديدة مهمة وجيدة مثل الكتاب المسموع، فله رواج وسيكون له مستقبل في العالم العربي، لأن الإنسان أصبح يقضي وقتاً طويلا في وسائل النقل. فالشيخ عائض باع من كتابه "لا تحزن" أكثر من مليون نسخة، والعرب يقرؤون وليس كما يروج كثيرون، ولكن غيرهم أكثر، يكفي أن تعلم أن مؤلفة كتاب قصص السحرة "هاري بوتر" باعت إلى قبل عام أكثر من 270 مليون نسخة، وكسب الفيلم الذي يروي قصة الكتاب مليارات، والكوهيلو مؤلف "الخيميائي" قال في مقابلة منذ ثمانية أشهر إنه بيع له أكثر من خمسة وتسعين مليون نسخة من كتبه، حتى إنه في بعض دول أوروبا الشرقية باع بما معدله نسخة لكل أسرتين في بلد واحد.
* اختيار الكتاب المترجم للعربية، هل يتم وفق معايير ثقافية أم تجارية؟
** الكتاب المترجم لدى دور النشر يخضع للناشر، فمنهم من يريد فقط الربح من أي كتاب، ولا يهمه محتواه ولا قضيته، ومنهم من يراعي الأهمية والربح، وليس لديك طريقة لأن تطالب الناشر التاجر أن يطبع كتابا فقط بسبب أهميته إذا كان لا يتوقع أنه يستطيع تصريفه، وقد حاولت لما كنت مستشاراً للنشر في مكتبة العبيكان أن نجمع قدر الإمكان بين التجارة والفائدة العلمية والثقافية والعامة، وفي أحد اللقاءات الخاصة وضعت قائمة بعدد من الكتب المهمة جدا في الثقافة الغربية بحيث نترجم هذه المجموعة المهمة ثقافيا ولو لم تربح، فالكتاب الجيد قد لا يخدمه أحد ولا يروج له، ولا يربح ناشره. واستطعنا أن نترجم كتبا لهدف ثقافي بحت، أرجو أن تجد طريقها للقراء قريبا.
* "أصبح الكتاب العربي الرديء ظاهرة مقلقة"، يتهم الناشر فيها ذوق القارئ العربي، بينما يعزو القارئ ذلك إلى أولوية الكسب المادي لدى الناشر، في رأيك أيهما على صواب؟
** نعم للأسف هناك كميات هائلة من الكتب التافهة تجد طريقها للنشر، لأسباب منها أنه ليس في مجتمعاتنا جو ثقافي حقيقي، ولا دراسة للمؤلفات، فالكتاب التافه قد تشتريه وزارة، أو يروج له مدرسون في مدارس، أو حزبيون لحزبهم، وبدلا من أن يكون ضحية الكتاب عددا قليلا يصبح الجميع ضحية التزوير، ولأن الناس عندنا ليس بين الكاتب والمطبعة وسيط فأي فكرة يمكنك أن تقول هذا كتاب وترسل به لأحد معارفك أو واسطة لناشر وتجده غدا، وكتب المؤلفين الخليجيين هي الأكثر لأنهم يستطيعون دفع تكاليف الطباعة.
* هل المؤسسات الثقافية غير الربحية تنافس المؤسسات الثقافية التجارية في توجيه الثقافة في العالم العربي؟
** مع بداية العلاقة بالعالم الغربي في عصرنا الحديث، كانت الحكومة الفرنسية أول من اهتم بالطباعة في العالم العربي، وحمل نابليون معه العلماء والمطابع، فهذه بداية حكومية استعمارية، ثم كان للكنائس وبخاصة الإرساليات دور مثير ولو كان محدوداً، وكان للحركة الإصلاحية بقيادة الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا، وللقوميين ثم للشيوعيين، ومؤخرا لحركة الاحتلال تحت مظلة محاربة الإرهاب دور في تحريك الثقافة، فكانت الحكومات والأحزاب وصراع الأفكار ذات دور أساسي في الصراع الثقافي، وللأسف المؤسسات الثقافية التجارية تميل بحسب سوق الأفكار، وأهل الأفكار قليل في بلاد العرب، ويعانون من الضياع بين مزاج الحكومات ومزاج السوق، وموت المؤسسات غير الربحية أو عدمها، ولكن سيكون لثقافة التبريد والتهدئة والقبول بالنفوذ الاستعماري على الثقافة العربية انتصار ولو مؤقتا. وبحكم أن المجتمع المدني يكاد يكون معدوما بسبب جهل معناه ولكونه محاربا فكيف يبني المجتمع ثقافته، وكيف يقيم مؤسساته، وهناك من يقول: لا مجتمع مدني، ولا مؤسسات!
* ذكر روبرت داونز في كتابه (كتب غيرت وجه العالم) عددا من الكتب الغربية ذات التأثير الواسع في الفكر العالمي، هل تتوقع صدور قائمة كتب عربية قريبة من هذا التأثير؟
** عند العرب كتب مهمة في تاريخ البشرية، ونعني بالكتب هنا كتبا بشرية كتبها الناس، ولهذا قال توينبي عن مقدمة ابن خلدون إنها أهم كتاب كتبه بشر، وذكرت هذه الشهادة لأنها من رجل من أهم المفكرين في العالم في العصر الحديث، وهو غربي، لأنهم لا يعترفون بنا، ونحن لا نعترف بأنفسنا حتى يقرونا على شيء، بحكم التردي الثقافي السائد، ومع هذا فهناك بوادر خير ونمو جيدة. ومن المناسب أن نتعرف على كتب غيرتنا، وغيرت رؤيتنا للعالم. ثم إن مسألة التصنيف "غيرت وجه العالم" أي عالم الغرب في سيادتهم لن يعترفوا إلا بكتبهم ويوم يقوم غيرهم لن يرى إلا نفسه، لأن جحود الآخرين من مركبات القوة ومن عاداتها الفكرية والسياسية والأخلاقية.
* في العالم العربي من ترى أنه من يوجه الآخر (القارئ أم المؤلف)؟
** هناك دائما كتاب وهم الأغلب يكتبون "ما يطلبه القراء"، وما يحب الجمهور، لأن الجمهور مصدر المال والشهرة، والناشرون يحبون هذا النوع من الكتاب، والكاتب الناجح في السوق ناجح عند الناشر، وناجح في الشارع، أما المثقف الذي يكتب كتابا فيتلقفه عدد قليل من القراء، فهو مؤلف غير ناجح، ولا يحبه إلا القليل وغالبا ما يكون كتاب النخبة من هذا النوع. وهنا يأتي دور المدارس والجامعات في توجيه الناس لقراءة الكتب الجيدة، ودور المكتبات الجامعية لتوفير النصوص المهمة، والإعلام الذي يجب أن يفتح للمثقفين المشاركة فيه وليعرفوا الناس بالكتب الجيدة، ولينفتح القراء على التوجهات الثقافية المؤثرة المهمة الجديدة.
* هل الكتاب العربي يكفل لمؤلفه عيشة كريمة مادياً؟ ولماذا؟
** لا يكاد يوجد مؤلف عربي يعيش من كتبه، إلا ما هو أقل من النادر، لأسباب منها ضعف السوق الثقافية وضعف معرفة الكتاب وضعف تسويقه، وسرقة الحقوق، فإن رأى صاحب مطبعة كتابا مطلوبا طبعه دون معرفة مؤلفه، وأخرجه بأي طريقة، وغياب المعلومات الصحيحة بين كثير من المؤلفين وناشريهم، فقليل من دور النشر من تلتزم بالأمانة ودقة المعلومات، كم طبعت وكم باعت، ومع كل هذه السيئات ظهر في العالم العربي ناشرون محترمون لحقوق المؤلفين ولسمعتهم ورعوا صنعة النشر وارتقوا بها، وعندنا نوعيات طباعة وإخراج تفوق في كثير من الأحيان المنافسين عالميا، وتنافسهم من حيث تدني كلفة الطباعة.
* ما صحة مقولة إن "أفضل الكتب: العربي القديم، والغربي المعاصر"؟
** هذه كلمة سمعتها أول الأمر من الدكتور جعفر إدريس، فقد سألته ماذا تقرأ قال "أقرأ الكتاب العربي القديم، والكتاب الغربي المعاصر" وهي كتابات في عصور قوة الثقافتين السياسية والفكرية والاجتماعية، وللحق فقد خرجت كتب عربية معاصرة تستحق الاهتمام والقراءة أكثر من بعض الكتب الغربية، ومن أمثلة ذلك الكتب في الفكر الإسلامي والمجتمع والتاريخ العربي والإسلامي لا يمكن أن تجد في كتب الغربيين عنا شيئا يوازي بعض ما يؤلفه العرب اليوم، بسبب أن الغربيين يحقرون العرب مجتمعا وثقافة ولم يعودوا يدرسونهم إلا كموضع يدرس ليخضع، وليحاط به، أو يغدر به، أو يتفكه عليه اجتماعيا، أو ليفكك فكره سياسيا ويسيطر عليه، فهي أعمال أدلة عمل للاستغلال والهيمنة والعلم ذهب من قديم مع المستشرقين ـ الأقل تسييسا من معاصرينا ـ مهما كانت نياتهم وأعمالهم.
* كشف الكتاب الوثيقة (الحرب الباردة الثقافية) للكاتبة البريطانية فرانسيس ستونر سوندرز عن دور الكتاب المسيّس في توجيه الثقافة، هل ترى أن مثل هذه الوثائق قد يشكك في مصداقية المؤلف والكتاب؟.
** هو في الحقيقة كما ذكرت وثيقة من أهم الوثائق الثقافية المعاصرة، ولكن ما سيكون أهم منه هو ما سيكتب بعد عشرات السنين عن "حرب الإرهاب إعلامياً"، للأسف لا أتوقع أن يخرج عمل كهذا في جيلنا، بسبب الأهمية الكبرى لسرية الحرب على المسلمين والإسلام، من خلال مؤسسات وأشخاص في كل مكان، نعم هناك قطع وأخبار وشواهد، ولكن ستكون قصة محزنة وممتعة للأجيال القادمة كيف تم العبث بالعقل الإسلامي والعربي في زماننا، وكيف تحرف الحقائق، ومن دفع لمن، وكيف تتم السيطرة على العقول والقلوب في عالمنا، كما عرفنا أخيرا عن الحرب الباردة.
أما بعض ما يتعلق بهم فكثير ينشر عندهم اليوم، وقد قرأت مقالا في مجلة "هاربر" منذ أقل من عام لصحفي يذكر فيه قصته، وكيف استأجروه ليكتب أكاذيب عن العراق! أما مسألة المصداقية، فهي في السلم تحت بعض الظروف مستحيلة، فكيف بها في زمن الحرب؟ إنها أمنية الشعوب الحرة! ذكرت الروائية البريطانية الفائزة بجائزة نوبل للعام الأخير "ليسنج"، أنها وزمرة معها كانوا يجتمعون أسبوعيا ليطلع بعضهم بعضا على أخبار الحرب التي لم تحرّفها الصحافة البريطانية في الحرب العالمية الثانية! فكيف بغير الصحافة البريطانية وفي زمن حرب كالحرب الجارية!.
* شهدت معرض القاهرة للكتاب ما هي أبرز ملاحظاتك؟
** هذه أول مرة أزور معرض القاهرة الدولي للكتاب، وكمية المعروض تسر المهتم بالكتب، ولكن قذارة المعرض كانت مرعبة، ولا تتناسب مع الحدث والموضوع، فإذا كانت أهم احتفالية ثقافية تتم في قذارة وزبالة تحيط بكل مكان فأين الثقافة والمثقفون؟. كنت أود لو أوقف المعرض لساعات ويقوم العارضون والزوار بتنظيف المكان أولا، لكان موقفا حضاريا جيدا، ثم إن النور في بعض القاعات كان ضعيفا، ويصعب رؤية عناوين الكتب من الظلام، والأسعار غالية لا تناسب حال المثقفين.
أما أنواع الكتب، فللأسف ليس هناك من عناوين مهمة تشد القارئ، وبقيت الداران الكبيرتان الشروق والعبيكان من أهم العارضين لعناوين جديدة، إلى جانب المجلس الأعلى للثقافة، ولم يظهر في الموسم من كتب ذات أهمية ملاحظة حسبما عرفت، ولا تلفت روايات الجنس والخلاعة القراء كثيرا في مصر، ربما لأنهم ملوا منها، ولكن القادمين من مناطق حرمت لزمن منها تجدهم يتهافتون عليها حتى هناك، وتجدهم يقدمون لتلك الدور نفسها التي سخرت نفسها وربحت من تدمير الأخلاق، وهي كتب يستهلكها المحرومون لزمن طويل يتهالك عليها من كان ممنوعا منها بسبب أدبي أو سياسي، ويهوي عليها المتدينون تحت ستار معرفة الآخر والمختلف والشر، بينما قد تكون الغاية والدافع واحدا للقراءة. ويأتي المتهافتون على الكتب والروايات الساقطة من فراغ سابق، فيكتسحهم أي نص، وقد يروجون لأي شيء.
* كيف ترى مستقبل الكتاب العربي؟
** هناك تحسن واضح في الكتاب العربي، ويكتنفه مشكلتان: أولاهما رسمية وهي الرقابة العلمانية والسياسية على الكتاب، فالرقابة العلمانية تحارب الكتب الإسلامية الجيدة والغربية الجيدة، وتسمح للرديء والشهواني، وثانيتهما مشكلة الرقابة الشعبية الدينية، التي تماحك في أشياء صغيرة فتمنع المجتمع والمثقفين والناس من كتب مفيدة، وهناك أسباب تعوق تحسن الكتاب ورفع مستواه، ثقافة الانحلال التي ترى أن الحرية هي البذاءة والفحش، وهبوط المستوى الأخلاقي، وهناك البساطة الدينية التي ترى نجاح الكتاب في كونه إعادة طبع لكتب قديمة ووضع اسم شيخ على غلافه على أنه عالم أو كاتب، أو ناصح، وأن الكتاب لوجه الله، ثم تجمع تبرعات لنشر الكتب الضعيفة من النوعين، تسويقا للكتاب الضعيف ودعاية صحفية مستميتة لنشر الانحلال، أو تفان ديني لنشر كتب لا تفيد؛ نعم الناس يحتاجون للكتيبات المبسطة العامة، ولكتب الأذكار ومجاميع الآداب العامة، ولكن ليست هي الكتب التي تصنع رأيا عاما ولا مجتمعا مثقفا.

ليست هناك تعليقات: