الأحد، مايو 14، 2006

تساؤلات الحضارة

وثاني ما أحب أن يعرفه القارئ هو أنني لم أقصد من وراء هذا التأليف إلا تقريب معنى الحضارة ولم أقصد قط أن أقدم إجابات شافية وافية لكل الأسئلة التي يطرحها على الذهن موضوع الحضارة مثل هذا الكتاب لا يؤلف لتقرير حقائق ثابتة بل لفتح باب التفكير وا ناقشة في اتجاه مدخل سليم وتوجيه الذهن إلى قضايا جديرة بأن توضع موضع التأمل والبحث. فإذا وفق هذا الكتاب إلى بعث الأذهان على التفكير في القضايا التي تعرض لها وإثارة الاهتمام واصلة البحث في هذه القضايا فقد أوفى على الغاية من تأليفه. ومثل هذا الكلام قاله مونتسكيو أكثر من مرة في سياق كتابه ا بدع عن روح القوانين وكوندورسيه في كلامه الطويل عن التقدم ومعناه ومغزاه وهو أيضا ما قاله آرنولد توينبي في آخر كتبه المسمى :البشر وأمهم الأرض. (من مقدمة كتاب " الحضارة" لحسين مؤنس- الكتاب الأول من سلسلة عالم الفكر_ http://al-mostafa.info/data/arabic/aalam/Issue-001.pdf)
الوصلة الأعلى فيها الكتاب كاملا، أما كتاب قصة الحضارة لول ديورانت بالعربية ففى الوصلة الآتية:
http://www.mofakren.com/Books/Thestoryofcivilization.rar

المتشائل رمز عرب 48


عرب 48 هم فلسطينيون بقوا فى الشق الذى استعمر ه اليهود عام 1948، و لا يزالون يعيشون فى بلدهم تحت الجنسية الإسرائيلية، بعضهم اضطر لذلك أو تشبث بأرضه، و البعض ساعد المحتلين، مثلما يوجد من ضعاف النفوس فى كل مكان فى دنيا البشر. هكذا تنفذ رواية إميل حبيبى و المسماة(الوقائع الغريبة فى اختفاء سعيد أبى النحس المتشائل).
لا يخلو العنوان من معان متعددة، فسعيد هذا عربى يعيش فى هذه الدولة التى قامت، أباه ساعدهم، و هو لا يزال تحت إمرتهم خائفا مذعورا، ينفعه الانحناء حينا، و يوقعه فى شر أعماله أحيانا حتى أنه بعد أن يفقد ابنه والذى أسماه "ولاء"( والذى عادى الصهاينة ثم مضى هاربا مع أمه قبل أن يقبضوا عليه) يتلقى واقع ضم بقية فلسطين لسلطة اليهود و هذه المقابلة مع من رحلوا منذ 19 عاما عن ديارهم و أقربائهم، حتى أنه يقابل ابنة حبيبته التى مضت منذ زمن بعيد ليحبها هى الأخرى، و يمضى معها إلى حيث توصله طاعته و خوفه إلى السجن.ثم ينهى هذه الرواية بفصل يعبر، رغم ما فىالرواية نفسها، عن هذه البلبلة الشديدة وهذا الوضع الشديد الغرابة لهؤلاء العرب الذين بقوا. يقول حبيبى فى خاتمة الرواية تحت عنوان للحقيقة والتاريخ:
"يرغب المحترم، الذى تلقىهذه الرسائل العجيبة، أن يبلغكم بأنها كانت ترد عليه مدموغة فى بريد عكا.ولذلك ظل يبحث فى عكا عن مصدرها حتى قادته قدماه إلى مستشفى الأمراض العقلية داخل السور على شاطئ البحر"
نحن نسمع اليوم عن هؤلاء العرب،يصنفون أحيانا ضمن الإسرائيليين بحكم التجنس، و أحيانا كعرب بحكم الأصل.إننا نسمع عن مرشح منهم لرئاسة وزراء إسرائيل، و عن تجمعات لهم فى داخل فلسطين المحتلة أو إسرائيل لتحسين أوضاعهم كما يذكر لهم اشتراكهم فى المقاومة الفلسطينية للاحتلال الاسرائيلى قبل عام 1967 و بعده ومحاولات الحفاظ على الأرض التى حاولت اسرائيل جعلها بلا شعب لكى تحقق اكذوبتها المزعومة"شعب بلا أرض لأرض بلا شعب".
هذا أحد الأطراف المنسية فى الصراع العربى الإسرائيلى،و إحدى مشاكل السلام الذى لم يتم بعد، فما رأيكم بأ، نستمع لصوت سعيد المتشائل(لا يدرى مثلنا تماما هل هو متفائل أم متشائم)وهو يكتب حاشية فى أوراقه يقول فيها:
"حاشية:بعد أ، دارت الأرض دورة كاملة أى فى هذه الأيام، قرأت فى صحفكم عن المذكرة التى قدمها وجهاء الخليل إلى الحاكم العسكرى أن يبيح لهم استيراد الحمير من الضفة الشرقية، فقد ندرت.فسأل الصحفى :أين ذهبت حميركم؟ فضحكوا و أخبروه بأن جزارى تل أبيب أنفقوها فى صنع النقانق. و حيث أنكم كنتم تؤكدون لنا، يا محترم، أن التاريخ حين يعيد واقعة، لا يعود على نفسه بل تكون الواقعة الأولى مأساة حتى إذا تكررت كانت مهزلة، فإنى أسألكم :أيهما المأساة، و أيهما المهزلة؟
هل هى مأساة الحمير فى وادى النسناس، التى ظلتأكثر من سنة سائبة: حمير من الطيرة، و حمير من الطنطورة، و حمير من عين غزال، و حمير من أجزم وحمير من عين حوض و حمير من أم الزينات (قرى عربية هدمت و انقرضت) صينت من العقل، و من لغط الإناث، فلم تهاجر، فنفقت دون أ، يتحقق من لحمها الدسم غير المرحوم كيوورك(صاحب المطعم الذى كان يأكل عنده)، أم هى مهزلة النقانق الشهية صنعة تل أبيب؟
أعلم يا محترم، أنكم عنيدون فيما تستنبطونه من نتائج. ولكن أليس صحيحا أنه حيث يهاجر القوم، تبقى الحمير، وحيث يبقى القوم لا يجد الجزار ما ينقنقه غير لحمالحمير؟خذوا عنى هذه الحكمة:كم من شعب أنقذته بهيمة من سكين جزار!
وفى أيامى الأولى، زعيم عمال فى اتحاد عمال فلسطين، ولجت بيوتا عربية مهجورة كثيرة فى حيفا، من أبوابها المكسورة، فوجدت أقداح القهوة مصبوبة لم يجد أهل البيت وقتا حتى يشربوها. و جمعت أثاث بيتى بعضه من هذا البيت و بعضه من ذاك البيت،مما بقى من متاع لم تمتد إليه أيدى الذين سبقونى فى الزعامة، الذين سبقتهم يد الحارس على الأملاك المتروكة، الذى سبقته أيدى وجهاء حيفا من زملاء وجهاء حيفا العرب، الذين لم يتركوا فيلاتهم إلا بعد أن أوصوهم بها خيرا حتى يعودوا "بعد شهر على الأكثر"، فحفظوها فى القاعات الشرقية التى أفردوها فى فيلاتهم لتوكيد صداقة قديمة لا تفنى و لا تزول مثل خشب السنديان. فأصبحوا يتباهون بالسجاد العباسى(نسبة إلى شارع عباس فى حيفا)كما تباهى أمثالهم فى القدس بالسجاد القطمونى(نسبة إلى حى القطمون فى القدس) و صار الشيوعيون يسمون الحارس على الأملاك المتروكة بالحارس على الأملاك المنهوبة، فأخذنا نلعنهم علانية و نردد أقوالهم فى سرائرنا.
فلما وقعت حرب الأيام الستة، التى جاءت بعد عملية قادش(المقدسة)مثلث الحمات(الإشارة لإلى العدوان الثلاثى 1956)،التى جاءت بعد حرب الاستقلال، و رأيت أولاد القدس و الخليل و رام الله و نابلس يبيعون صحون الزفاف بليرة قلت:بليرة و لا بلاش! و أيقنت حة استنباطكم، يا محترم، بأن التاريخ، حين يعيد نفسه، يعيدها متقدما أماما، من بلاشى إلى ليرة. إن الأمور ، حقا تتقدم.وانتهت الحاشية.