الأحد، نوفمبر 04، 2007

مأساة الأبراج



ليست أول مرة أتعامل مع أناس متدينين لكنهم يأتون لأمر يسمى الصفات الشخصية للأبراج ثم يتأثروا بما يقرؤون أو يسمعون عنها، بل لعل أغلبنا وجد د. نبيل فاروق الذى قرأ اغلبنا له يعرض فى إحدى سلاسله الأبراج الصينية.

لقد علمنا من الحديث الشريف أننا نهينا أن نقول " أمطرنا بكوكب كذا" حتى لا نتصور أو نعتقد أن هذه الكواكب هى المحركة لحياتنا فنظل منتظرين تطلعات الذين سيتفرغوا لهذه الأمور لا أن نتبصر حياتنا فى ضوء العقل الراشد.

ورد فى سنن النسائى:

"(10760) أخبرنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا سفيان عن صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله عن زيد بن خالد قال مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ألم تسمعوا ما قال ربكم عزوجل الليلة قال ما أنعمت على عبادي من نعمة إلا أصبح طائفة منهم بها كافرين يقولون مطرنا بنوء كذا وكذا فأما من آمن بي وحمدني على سقياي فذلك الذي آمن بي وكفر بالكوكب ومن قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك الذي كفر بي وآمن بالكوكب (10761) أخبرنا محمد بن سلمة قال حدثنا بن القاسم عن مالك قال حدثني صالح بن كيسان عن عبيد الله بن عبد الله عن زيد بن خالد الجهني قال صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالمدينة في أثر سماء كانت من الليل فلما انصرف

أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم عزوجل قالوا الله ورسوله أعلم قال قال أصبح من عبادي مؤمن فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب"



كان هذا دأب الأوائل من الآشوريين و الفراعنة، و انتقل هذا لصابئة العراق ، لكننا كمسلمين تعلمنا أن هناك من العلوم علوما نافعة مندوبة كالشريعة و الطب، و منها ما هو مذموم منكر كالسحر و التنجيم( لا الفلك الذى يتابع حركة الأفلاك و يتدبر فى صنع الله)

لا أدرى كيف يصبح هناك متعلما قابلا بذلك فما بالك و هو مؤمن بالإسلام، و يعلم أنه يجب أن يعتقد أن المنفعة من الله و بمشيئته و بعلمه وحده:", اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشئ قد كتبه الله لك"

قال رب العزة تبارك و تعالى:

"مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آَتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ(23)"(سورة الحديد)



إخوتى لا تسلموا ذقونكم لمن يدعون أن هذا منفصل عن التوقع بما سيأتى فهى مجموعة أفكار مرتبطة و يتبعها الغرب بدلا من الروحانيات الدينية إضفاء لشئ من الاطمئنان على حياتهم يجبه التوكل و حسن الظن بالله و التواصل مع الله بالدعاء و العبادة، و لا تظنوا أن هذه الأمور كما يدعون مبنية على إحصائيات أو ما شابه حتى و إن صح فهو الدجل العلمى بعينه.

و اقرؤوا معى اقتباسا لدزرائيلى اليهودى البريطانى، يقول فيه حول أشباه هذه الأكاذيب من الإحصائيات:

Mark Twain quoted Benjamin Disraeli, the prime minister of England,

as saying: "There are three kinds of lies in the world: lies, damn

lies, and statistics."

"هناك ثلاثة أنواع من الأكاذيب فى العالم: الأكاذيب و الأكاذيب الصريحة(أو المدمرة) و الإحصائيات"

إننا نرى البعض مهووسا بهذه الأمور و هو لا يعلم أنها أمور لا تسئ لدينه فحسب بل تسئ لحياته و عزمه، و الله يهدينا سواء السبيل

.

هذا نص من كتاب أبى حامد الغزالى" إحياء علوم الدين" فى أوله فى الكلام عن أنواع العلوم يتحدث فيه عن اعلم التنجيم :



"لعلك تقول: العلم هو معرفة الشيء على ما هو به وهو من صفات الله تعالى فكيف يكون الشيء علماً ويكون مع كونه علماً مذموماً؟ فاعلم أن العلم لا يذم لعينه وإنما يذم في حق العباد لأحد أسباب ثلاثة الأول أن يكون مؤدياً إلى ضرر ما إما لصاحبه أو لغيره، كما يذم علم السحر والطلسمات"..... و يستكمل بعدها"ومعرفة هذه الأسباب من حيث إنها معرفة ليست بمذمومة ولكنها ليست تصلح إلا للإضرار بالخلق والوسيلة إلى الشر شر، فكان ذلك هو السبب في كونه علماً مذموماً، بل من اتبع ولياً من أولياء الله ليقتله وقد اختفى منه في موضع حريز إذا سأل الظالم عن محله لم يجز تنبيهه عليه؛ بل وجب الكذب فيه؛ وذكر موضعه إرشاد وإفادة علم بالشيء على ما هو عليه، ولكنه مذموم لأدائه إلى الضرر الثاني أن يكون مضراً بصاحبه في غالب الأمر، كعلم النجوم، فإنه في نفسه غير مذموم لذاته، إذ هو قسمان: قسم حسابي، وقد نطق القرآن بأن مسير الشمس والقمر محسوب، إذ قال عز وجل " الشمس والقمر بحسبان " وقال عز وجل " والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم " . والثاني: الأحكام، وحاصله يرجع إلى الاستدلال على الحوادث بالأسباب وهو يضاهي استدلال الطبيب بالنبض على ما سيحدث من المرض، وهو معرفة لمجاري سنة الله تعالى وعادته في خلقه ولكن قد ذمه الشرع. قال صلى الله عليه وسلم " إذا ذكر القدر فأمسكوا، وإذا ذكرت النجوم فأمسكوا، وإذا ذكر أصحابي فأمسكوا " . وقال صلى الله عليه وسلم " أخاف على أمتي بعدي ثلاثاً: حيف الأئمة، والإيمان بالنجوم، والتكذيب بالقدر " . وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تعلموا من النجوم ما تهتدون به في البر والبحر ثم أمسكوا، وإنما زجر عنه من ثلاثة أوجه: أحدها: أنه مضر بأكثر الخلق، فإنه إذا ألقي إليهم أن هذه الآثار تحدث عقيب سير الكواكب، وقع في نفوسهم أن الكواكب هي المؤثرة، وأنها الآلهة المدبرة لأنها جواهر شريفة سماوية، ويعظم وقعها في القلوب فيبقى القلب ملتفتاً إليها، ويرى الخير والشر محذوراً أو مرجواً من جهتها، ويمنحي ذكر الله سبحانه عن القلب، فإن الضعيف يقصر نظره على الوسائط، والعالم الراسخ هو الذي يطلع على أن الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره سبحانه وتعالى، ومثال نظر الضعيف إلى حصول ضوء الشمس عقيب طلوع الشمس، مثال النملة لو خلق لها عقل وكانت على سطح قرطاس وهي تنظر إلى سواد الخط يتجدد، فتعتقد أنه فعل القلم ولا تترقى في نظرها إلى مشاهدة الأصابع، ثم منها إلى اليد، ثم منها إلى الإرادة المحركة اليد، ثم منها إلى الكاتب القادر المريد، ثم منه إلى خالق اليد والقدرة والإرادة؛ فأكثر نظر الخلق مقصور على الأسباب القريبة السافلة. مقطوع من الترقي إلى مسبب الأسباب؛ فهذا أحد أسباب النهي عن النجوم.

وثانيها: أن أحكام النجوم تخمين محض ليس يدرك في حق آحاد الأشخاص لا يقيناً ولا ظناً، فالحكم به حكم بجهل، فيكون ذمه على هذا من حيث إنه جهل لا من حيث إنه علم"......" فإن اتفق أن قدر الله تعالى بقية الأسباب وقعت الإصابة، وإن لم يقدر أخطأ، ويكون ذلك كتخمين الإنسان في أن السماء تمطر اليوم مهما رأى الغيم يجتمع وينبعث من الجبال فيتحرك ظنه بذلك، وربما يحمى النهار بالشمس ويذهب الغيم، وربما يكون بخلافه، ومجرد الغيم ليس كافياً في مجيء المطر وبقية الأسباب لا تدرى، وكذلك تخمين الملاح أن السفينة تسلم اعتماداً على ما ألفه من العادة في الرياح ولتلك الرياح أسباب خفية هو لا يطلع عليها، فتارة يصيب في تخمينه وتارة يخطىء، ولهذه العلة يمنع القول عن النجوم أيضاً. وثانيها: أنه لا فائدة فيه، فأقل أحواله أنه خوض في فضول لا يغني وتضييع العمر الذي هو أنفس بضاعة الإنسان في غير فائدة وذلك غاية الخسران؛ فقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل والناس مجتمعون عليه فقال " ما هذا؟ فقالوا: رجل علامة. فقال: بماذا؟ قالوا بالشعر وأنساب العرب. فقال: علم لا ينفع وجهل لا يضر " وقال صلى الله عليه وسلم " إنما العلم آية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة " فإذن الخوض في النجوم وما يشبهه اقتحام خطر وخوض في جهالة من غير فائدة، فإن ما قدر كائن، والاحتراز منه غير ممكن، بخلاف الطب فإن الحاجة ماسة إليه وأكثر أدلته بما يطلع عليه، وبخلاف التعبير وإن كان تخميناً لأنه جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ولا خطر فيه

السبب الثالث الخوض في علم لا يستفيد الخائض فيه فائدة علم، فهو مذموم في حقه كتعلم دقيق العلوم قبل جليلها، وخفيها قبل جليها، وكالبحث عن الأسرار الإلهية، إذ يطلع الفلاسفة والمتكلمون إليها ولم يستقلوا بها، ولم يستقل بها وبالوقوف على طرق بعضها إلا الأنبياء والأولياء، فيجب كف الناس عن البحث عنها وردهم إلى ما نطق به الشرع، ففي ذلك مقنع للموفق، فكم من شخص خاض في العلوم واستضر بها ولو لم يخض فيها لكان حاله أحسن في الدين مما صار إليه ولا ينكر كون العلم ضاراً لبعض الناس كما يضر لحم الطير وأنواع الحلوى اللطيفة بالصبي الرضيع، بل رب شخص ينفعه الجهل ببعض الأمور، فلقد حكي أن بعض الناس شكا إلى طبيب عقم امرأته وأنها لا تلد، فجس الطبيب نبضها وقال: لا حاجة لك إلى دواء الولادة فإنك ستموتين إلى أربعين يوماً، وقد دل النبض عليه، فاستشعرت المرأة الخوف العظيم وتنغص عليها عيشها، وأخرجت أموالها وفرقتها، وأوصت، وبقيت لا تأكل ولا تشرب حتى انقضت المدة فلم تمت، فجاء زوجها إلى الطبيب وقال له: لم تمت، فقال الطبيب: قد علمت ذلك فجامعها الآن فإنها تلد؛ فقال: كيف ذاك؟ قال: رأيتها سمينة وقد انعقد الشحم على فم رحمها، فعلمت أنها لا تهزل إلا بخوف الموت، فخوفتها بذلك حتى هزلت وزال المانع من الولادة: فهذا ينبهك على استشعار خطر بعض العلوم ويفهمك معنى قوله صلى الله عليه وسلم " نعوذ بالله من علم لا ينفع " فاعتبر بهذه الحكاية ولا تكن بحاثاً عن علوم ذمها الشرع وزجر عنها، ولازم الاقتداء بالصحابة رضي الله عنهم، واقتصر على اتباع السنة، فالسلامة في الاتباع، والخطر في البحث عن الأشياء والاستقلال، ولا تكثر اللجج برأيك ومعقولك ودليلك وبرهانك وزعمك أني أبحث عن الأشياء لأعرفها على ما هي عليه، فأي ضرر في التفكر في العلم فإن ما يعود عليك من ضرره أكثر، وكم من شيء تطلع عليه فيضرك اطلاعك عليه ضرراً يكاد يهلكك في الآخرة إن لم يتداركك الله برحمته. واعلم أنه كان يطلع الطبيب الحاذق على أسرار في المعالجات يستبعدها من لا يعرفها فكذلك الأنبياء أطباء القلوب والعلماء بأسباب الحياة الأخروية، فلا تتحكم على سننهم بمعقولك فتهلك، فكم من شخص يصيبه عارض في أصبعه فيقتضي عقله أن يطليه، حتى ينبهه الطبيب الحاذق أن علاجه أن بطلى الكف من الجانب الآخر من البدن فيستبعد ذلك غاية الاستبعاد من حيث لا يعلم كيفية انشعاب الأعصاب ومنابتها ووجه التفافها على البدن؟ فهكذا الأمر في طريق الآخرة، وفي دقائق سنن الشرع وآدابه، وفي عقائده التي تعبد الناس بها أسرار ولطائف ليست في سعة العقل وقوته الإحاطة بها، كما أن في خواص الأحجار أموراً عجائب غاب عن أهل الصنعة علمها حتى لم يقدر أحد على أن يعرف السبب الذي به يجذب المغناطيس الحديد؛ فالعجائب والغرائب في العقائد والأعمال، وإفادتها لصفاء القلوب ونقائها وطهارتها وتزكيتها وإصلاحها للترقي إلى جوار الله تعالى وتعرضها لنفحات فضله أكثر وأعظم مما في الأدوية والعقاقير، وكما أن العقول تقصر عن إدراك منافع الأدوية مع أن التجربة سبيل إليها؛ فالعقول تقصر عن إدراك ما ينفع في حياة الآخرة مع أن التجربة غير متطرقة إليها، وإنما كانت التجربة تتطرق إليها لو رجع إلينا بعض الأموات فأخبرنا عن الأعمال المقبولة النافعة المقربة إلى الله تعالى زلفى وعن الأعمال المبعدة عنه، وكذا عن العقائد، وذلك مما لا يطمع فيه فيكفيك من منفعة العقل أن يهديك إلى صدق النبي صلى الله عليه وسلم ويفهمك موارد إرشاراته، فاعزل العقل بعد ذلك عن التصرف ولازم الاتباع فلا تسلم غلا به والسلام؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم " إن من العلم جهلاً وإن من القول عياً " ومعلوم أن العلم لا يكون جهلاً ولكنه يؤثر تأثير الجهل في الإضرار. وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم " قليل من التوفيق خير من كثير من العلم " وقال عيسى عليه السلام: ما أكثر الشجر وليس كلها بمثمر وليس كلها بطيب، وما أكثر العلوم وليس كلها بنافع!"



.